أجرت جمعية سيكوي-أفق والمركز العربي للتخطيط البديل مسحًا غير مسبوق للعدد الدقيق للمباني غير المنظّمة - أي لا تملك ترخيص بناء، في جميع البلدات العربية، ورصدا جميع سيرورات التخطيط والمصادقة على جميع المخططات في السنوات الأخيرة: الخرائط الهيكلية، المخططات المفصّلة وخرائط الضم والتّقسيم. يهدف البحث إلى رسم صورة محدّثة وحقيقيّة لواقع التخطيط في البلدات العربية، ورصد النتائج الفعلية للسياسات الحكومية في مجال التخطيط، الإسكان والأراضي، كما تنعكس في القرارات الحكومية ذات الصلة في السنوات الأخيرة، وأهمها القرارات الحكومية 922، 959 و 1480 للتطوير الاقتصادي في المجتمع العربي.
يعاين البحث صورًا جوية من سنة 2018، بالإضافة إلى استخدام معطيات من منظومات التخطيط القائمة، ويتطرّق في جزئه الأوّل إلى جميع البلدات العربية المعترف بها داخل دولة إسرائيل، بما في ذلك البلدات العربية في النقب، ولا يشمل مدنًا مختلطة وبلدات تابعة لمجالس إقليمية يهودية وبلدات في هضبة الجولان والقدس الشرقية (يتطرق هذا الموقع بشكل خاص إلى لواء الشمال، حيفا والمركز، إلا إذا أشيرَ في اماكن معيّنة إلى أنّ المعطيات تشمل النقب أيضًا). في الجزء الثاني من البحث، الذي يتناول تنظيم البناء غير المرخّص- لا يشمل البحث معطيات حول النقب، بما في ذلك القرى غير المعترف بها.
تقبع منازل 130,000 مواطن عربي تحت خطر الهدم- يوجد نحو 14,000 مبنى سكني غير منظّم، وكل مبنى مكوّن من 3 وحدات سكنية. يوجد نحو 29,000 مبنى غير مرخّص في البلدات العربية- 15,000 منها مبانٍ خفيفة: سقائف زراعية، ورشات لتصليح السيارات وما إلى ذلك.
لماذا لا يستطيع مُلّاك المنازل المهددة بالهدم الفوري استصدار رُخص لهذه المباني؟
لأنّه على الرغم من أنّ %87 من المباني غير المرخّصة في منطقتي المركز والشمال واقعة ضمن خرائط هيكلية مصادق عليها- داخل مناطق معدّة للسكن حيث يجوز رسميًا استصدار رخصة بناء- إلّا أنّ الدولة لم تستكمل بعد الإجراءات التخطيطية الضرورية في تلك المناطق التي تسمح باستصدار الرخص.
72% من هذه المباني – وعددها يقارب 10,000 مبنى مُدرج في الخرائط الهيكلية- تفتقر لمخطط مفصّل ولا يمكن استصدار رخصة بدون مخطط كهذا. %28 فقط من المباني الصلبة- أيّ المباني الخرسانية غير المرخّصة - تملك خارطة هيكلية أو أنّ خارطتها الهيكلية قيد التحضير. لماذا إذًا تفتقر هذه المباني للرخص؟ لأنّها لم تستكمل المرحلة الأخيرة من سيرورة التخطيط المعقدة- التوحيد والتقسيم.
هل تريدون فهم آلية عمل سيرورة التخطيط المعقدة في الدولة؟ انقروا هنا.في السنوات الست الأخيرة، وإثر تشكيل طاقم الـ 120 يومًا، وتتمة للقرار الحكومي 922 من سنة 2015 والنضال المستمر لقيادة الجمهور العربي، بما في ذلك السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني، تخصّص الدولة مزيدًا من الميزانيات لحل ضائقة التخطيط والإسكان في البلدات العربية. ولكنّ الوتيرة بطيئة، وبالنسبة لعدد كبير من المباني، فإنّ التنظيم لا يلوح في الأفق. منذ المصادقة على الخطة الخمسية في نهاية 2015، نُظم فقط %21 من المباني السكنية التي بنيت بدون رخصة في منطقتيّ الشمال والمركز (3,641). بهذه الوتيرة، سيعيش جيل كامل تحت خطر هدم المنازل، والوضع سيتفاقم أكثر فأكثر- لهذا يجب تسريع الوتيرة. هناك فرصة للتّعديل في اطار الخطة الخمسية الجديدة، وقد خصّصت لذلك ميزانيات - كل شيء متعلّق بطريقة التنفيذ.
بالمعدل، تستغرق المصادقة على الخطة التي تسمح باستصدار رخصة بناء في البلدات العربية 8 سنوات. في سائر البلدات في البلاد، يستغرق ذلك سنتين ونصف بالمعدل. أيّ أنّ مدة الانتظار لاستصدار ترخيص بناء في البلدات العربية تبلغ 3 أضعاف!
وذلك لأنّ معظم الأراضي في البلدات العربية هي بملكية خاصة، في حين أنّ الأراضي في البلدات اليهودية هي بملكية الدولة. لذلك، وبالإضافة إلى المخطط المفصّل، يجب اجتياز مرحلة إضافية تُدعى "خطة الضم والتقسيم"، وذلك في معظم الأراضي الخاصة بسبب تعدد الملّاك.
يبلغ عدد السكان العرب في النقب نحو 280,000 نسمة، ومن بينهم، تسكن أكثر من 100,000 نسمة في بلدات غير معترف بها، التي تفتقر لأي شكل من أشكال التخطيط او التطوير. رصد البحث واقع التخطيط في النقب- ووجد أنّه في السنوات 2015-2021، أضيفت في إطار الخرائط المفصّلة المصادق عليها 66,714 وحدة سكنية في البلدات المعترف بها. ظاهريًا، يزيد هذا العدد بضعفين ونصف عن الهدف الكلّي الذي حدّدته الدولة في هذا الخصوص. ولكن، معيقات كثيرة في سيرورة التخطيط والتطبيق تؤدّي لفجوات ضخمة بين التخطيط والتنفيذ - فمنذ سنة 2015، تمت المصادقة سنويًا على 600 رخصة بناء فقط، في جميع البلدات البدوية في النقب. ما السبب وراء هذه الفجوات بين التخطيط والتنفيذ؟ ستجدون الإجابة في البحث.
خلافًا للأفكار النمطية، فأصحاب المباني غير المرخّصة ليسوا مخالفين للقانون، بل مواطنين يريدون العيش على أراضيهم الخاصة، والدولة لا تسمح لهم بالبناء بشكل قانوني. لا يدور الحديث هنا حول أشخاص يبنون منازلهم في وسط متنزه أو شارع رئيسي- غالبيتهم العظمى، ونسبتهم %87 يبنون منازلهم ضمن حدود الخارطة الهيكلية لبلداتهم. حتى هؤلاء الذين يبنون خارج حدود الخارطة الهيكلية، ونسبتهم %13- فإنّ غالبيتهم يبنون على أراضيهم الخاصة، بمحاذاة حدود الخارطة الهيكلية المصادق عليها- لأنّ مساحة البلدة لا تتلاءم مع النمو السكاني.
يجب استثمار المزيد من الميزانيات والموارد، بما في ذلك موارد الأراضي، إلى جانب ملاءمة السياسة الحكومية في المجال للاحتياجات الخاصّة والمتغيرة للبلدات العربية.
مع أنّ الواقع معقّد، إلّا أنّ الدولة قادرة على تطبيق حلول تضع حدًا للضائقة التي يعيشها عشرات آلاف السكان:
تحتل ضائقة التخطيط، الأراضي، البناء والإسكان حيّزًا مركزيًا في الخطاب العام في المجتمع العربي في البلاد. أعاقت هذه القضايا تطوّر البلدات العربية، أثّرت سلبًا على العلاقة بين الدولة وسلطاتها والمواطنين العرب، وساهمت في تعزيز مشاعر الاغتراب وانعدام الثقة لدى الجمهور العربي تجاه السلطة. السياسات التي اعتمدتها جميع الحكومات الإسرائيلية في مجال الأراضي والتخطيط قيّدت، وما زالت تقيّد إمكانية توسّع وتطور البلدات العربية، وبسببها، تعيش آلاف العائلات العربية تحت التهديد الوجودي الدائم بهدم منازلها التي بنيت بدون ترخيص لانعدام التخطيط. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الدولة لا تترك للمواطنين العرب باب أمل مفتوح- فلا تخطيط يلوح في الأفق لمن يريد السكن والتطوّر في البلدات العربية، على الرغم من النمو السكاني المستمر. حتى السنوات القليلة الماضية، لم تُعَدّ ولم يُصادق على خارطة هيكلية للبلدات بطريقة تلبي احتياجات التطوير والبناء فيها؛ لم تُخصّص أراضي دولة كافية لتلبية احتياجات التطوير والبناء في البلدات، ولم توضع خطط تتيح المجال للتطوير واستخدام الأراضي الخاصة للبناء، وذلك بالإضافة إلى تعزيز سياسة إنفاذ القانون وهدم المباني غير المرخّصة في البلدات العربية.
في شهر آب من سنة 2015، تبنّت الدولة توصيات طاقم الـ ‘120 يومًا’ الذي تناولَ ضائقة الإسكان في البلدات العربية واقترح سلسلة خطوات لحلّها. في أعقاب تبنّي توصيات التقرير، تم إدراجَ عدد كبير منها في الفصل المتعلق بالإسكان في القرار الحكومي 922 الذي صدر في كانون الأول 2015. إحدى توصيات الطاقم، والتي لم تطبّق حتى الآن، كانت ترخيص المباني القائمة التي أقيمت بدون استصدار رخص، وذلك بعد إجراء مسح لعدد المباني القائمة وموقعها. أجرينا المسح في إطار هذا البحث.
أدّت هذه السياسة المتّبعة من سنوات طويلة إلى تطور معظم البلدات العربية بدون تخطيط أو مراقبة، تزايد الاكتظاظ السكاني، غياب البنى التحتية العامة التي تلبي احتياجات السكان، نقص في فرص العمل وكسب العيش داخل البلدات ونقص حاد في حلول الإسكان المتاحة في ظل النمو السكاني.
تعاني معظم البلدات العربية من نقص في الأراضي ومن مناطق نفوذ محدودة نسبيًا، لا تستوفي احتياجات البلدة. يؤثر ذلك أيضًا على مخزون المساكن الحالي وعلى احتياطي تطوير الأراضي لغرض الإسكان ولأغراض أخرى. ذلك يعني أنّ جودة الحياة في البلدات العربية تتراجع كثيرًا بسبب الاكتظاظ، عدم التطوير ومخزون الشقق الآخذ في الزوال، أو ربما الزائل أصلًا. تشكل مناطق نفوذ السلطات المحلية العربية نحو %3.5 من مساحة أراضي الدولة، والغالبية العظمى من الأراضي في مناطق نفوذها (والتي تزيد أحيانًا عن %90) هي أراض بملكية خاصة للسكان. وعلى الرغم من ازدياد المساحات المبنية (16ضعفًا) وزيادة الاكتظاظ (11 ضعفًا)، إلّا أنّ الدولة لم تسع على مدار السنوات الماضية لتوسيع مناطق النفوذ، بل وصادرت الكثير من الأراضي.
عندما يُقدِم المواطن على البناء بدون رخصة، فإنّه يخالف بذلك قانون التخطيط والبناء- الأمر الذي يؤدي إلى تقديم لوائح اتهام وفرض غرامات، وفي كثير من الأحيان، يؤدي البناء غير المرخص أيا الى قرصنة البنى التحتية للكهرباء والماء. يتضح من رصد البناء غير المرخص في البلدات العربية أنّ الأمر ناتج عن ضرورة ملحة وليس عن خيار. لا يختار السكان بمحض إرادتهم البناء بدون استصدار رخصة، وينبع ذلك في الحقيقة عن ضائقة الإسكان المستفحلة وعن تمييز قائم منذ عقود في مجال التخطيط.
في كثير من الحالات، تقع الأراضي الخاصة بالمواطنين العرب خارج حدود الخارطة الهيكلية التي وضعتها الدولة. ولكنّ البناء غير المرخص يتم غالبًا بمحاذاة البناء القائم، داخل الأحياء، وبهدف استغلال ما تبقى من الأراضي المتاحة. أدى ذلك إلى نشوء أحياء كاملة بنيت بدون رخص وبدون بنى تحتية ملائمة، خارج إطار الخارطة الهيكلية. ففي مدينة أم الفحم مثلًا، يسكن نحو عشرة آلاف شخص في حي غير مرخص، ويتوجب على العديدين منهم دفع غرامات بشكل دائم، بالإضافة إلى قرصنة البنى التحتية- لعدم وجود خيار آخر.
أدركت الدولة أيضًا أنّ حل ضائقة البناء غير المرخص يتطلب تخصيص ميزانيات لمجال التخطيط والبناء. ولكن في إطار الخطة 922، اشترطت الدولة تحويل الميزانيات بإنفاذ القانون ضد مواطنين عرب بَنوا بدون استصدار رخص بناء. ذلك يعني أنّ الدولة قامت من ناحية بتخصيص ميزانيات لسيرورات التخطيط التي تسمح للسلطات المحلية بتنظيم البناء غير المرخص، ولكنها من ناحية أخرى، لم تمكّن السلطات المحلية من خوض سيرورات التخطيط هذه إلى أن تثبت إنفاذها القانون على البناء غير المرخص- وبذلك، فإنّ الدولة طالبت بالتسوية وبإنفاذ القانون في آن واحد بدون طرح أي بدائل قبل الإنفاذ. تزامنًا مع ذلك، صادقت الكنيست في نيسان 2017 على التعديل 116 لقانون التخطيط والبناء، المعروف باسم "قانون كمينتس"، الذي شدد العقوبات على البناء غير القانوني. على الرغم من تعليق القانون في نهاية 2020 لمدة سنتين، إلّا أنّ خطر الهدم لا يزال يتربص بالسكان في البلدات العربية. هناك أيضًا حاجة لتخطيط ملائم لاحتياجات السكان العرب- بالإضافة الى دمج مخططين عرب في اتخاذ القرارات.
مع أنّ الدولة استخلصت العبر في الخطة الخمسية الحكومية الجديدة التي صودق عليها في سنة 2021 (الخطة 550)، إلا أنّ ذلك غير كاف. تنصّ الخطة الجديدة على الاستثمار في التخطيط المفصل، تولي قدرًا أكبر من الأهمية لقضايا التطوير وتخصيص ميزانيات التطوير بدون شروط وتتطرق إلى البلدات العربية في النقب. مع ذلك، لا يوجد استثمار كاف في التخطيط الهيكلي، ولم تُطرح قضية الأراضي ومناطق النفوذ. الاختبار الحقيقي لا يكمن فقط في مصادقة الحكومة على القرار، بل في تطبيقه أيضًا.
وفقًا لقانون التخطيط والبناء (1965)، يجب المصادقة على عدة أنواع من الخرائط قبل إصدار رخصة بناء.
البناء في أية بلدة أو مدينة في إسرائيل يتطلب خارطة هيكلية شاملة تحدّد الإطار التخطيطي للبلدة واستخدامات الأرض، وتقسّم البلدة إلى مناطق تخطيط. هذه الخارطة لا تكفي لاستصدار رخصة بناء، ولكن لا يمكن الانتقال إلى المرحلة التالية بدونها.
عند المصادقة على الخارطة الهيكلية، يجب وضع خارطة مفصلة لكل منطقة. هذه الخارطة تُدعى خارطة بناء مدينة، هي تسمح غالبًا باستصدار رخصة بناء.
ولكن بما أنّ معظم الأراضي في البلدات العربية هي أراض خاصّة (خلافًا لسائر المناطق في البلاد)، يجب دعم هذه السيرورة بطريقة أكثر نجاعة ووضع خارطة مفصّلة إلى جانب خارطة التوحيد والتقسيم. لا يحدث ذلك في كثير من الأحيان، وهناك حاجة لمصادقة لجنة التخطيط المحلية على خارطة التوحيد والتقسيم لتسهيل التعامل مع مسألة تعدّد الملكية للأرض بطريقة تتيح المجال للتخطيط. في مثل هذه الحالة، فإنّ الخرائط المفصّلة المصادق عليها في اللجان اللوائية لا تلاءم للوضع التملّكي في البلدات، وتضطر اللجنة المحلية لتعديل التخطيط في مرحلة التوحيد والتقسيم لملاءمته للوضع التملكي ولخارطة الملكيات في الأرض. تتسبب هذه الطريقة الشائعة بازدواجية العمل التخطيطي وتطيل المدة المطلوبة للمصادقة على الخرائط وتنظيم البناء القائم. جاء ذلك في تقرير مراقب الدولة، الذي ينصّ على أنّ "إجراءات التخطيط في الأراضي الخاصة تستغرق وقتًا طويلًا جدًا، وهناك نقص في الخطط المصادق عليها التي تتيح المجال لبناء وحدات سكنية".